ما حقيقة استهداف بينانس من قبل الولايات المتحدة؟

تسن القوانين الحديثة بشكل دائم كلما دعت الحاجة إليها. فمثلاً عند استحداث مهن، أو تعاملات مالية جديدة، يصبح من الضروري توفير بيئة قانونية تضمن الحقوق لأصحابها.

وكذلك الحال بالنسبة لسلسلة الكتل blockchain، والعملات الرقمية؛ التي منذ ظهورها لأول مرة استدعت الضرورة سن قوانين ناظمة تتعلق بإصدارها وطرق التعامل بها، وغيرها من الأمور. بحيث تكون على غرار القوانين التي تحكم سك وتداول العملات النقدية، والورقية، وكذلك التعاملات المالية المختلفة.

ومع أن العملات الرقمية لم تعتمد بعد كعملات حقيقية، أو أوراق مالية؛ إلا أن البعض يعتبر العملات المستقرة مثل (USDT أو تيثر دولار)، و (BUSD أو دولار بينانس) نوعاً من العملات الحقيقية. وذلك لأنها تكون مدعومة بأصول حقيقية مثل السندات، أو الاحتياطي النقدي. وهذا بالتحديد كان سبباً من الأسباب التي أعطت الحكومة الأمريكية مبرراً في استهداف بينانس، والتحقيق مع مدرائها التنفيذيين في الفترة الماضية. فما هي ما حقيقة استهداف بينانس من قبل الولايات المتحدة؟، هذا ما سنتعرف عليه من خلال هذه المقالة.

منصة بينانس

تعتبر شركة بينانس القابضة المحدودة من الشركات الناشئة في مجال تجارة العملات الرقمية؛ حيث تم إنشاؤها في العام 2017 بواسطة مهندس البرمجيات تشانغبينغ زاو وهو رئيسها الحالي. والذي يعتقد أنه السبب الرئيسي لاستهداف بينانس بسبب أصوله التي تنحدر من الجنسية الصينية.

إن بينانس هي عبارة عن منصة تداول إلكترونية يمكن من خلالها الاستثمار في العديد من العملات الرقمية الرائجة مقابل العملات الرقمية المستقرة، أو العملات الأجنبية. يمكن أيضاً الاستفادة منها كمحفظة لتخزين العملات الرقمية في حال اردت الاستثمار بها فيما بعد، أو بيعها عند ارتفاع سعرها.

كما أنها تمتلك عملتها الرقمية الخاصة بها وتسمى BNB؛ وكذلك شبكتها الخاصة بها من سلسلة الكتل blockchain. بالإضافة إلى ذلك فإن دولار بينانس BUSD يعتبر واحداً من العملات الرقمية المستقرة؛ التي باتت تستهوي العديد من المستثمرين، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. أغلب الاعتقاد أن هذا أيضاً يعتبر واحداً من أسباب استهداف بينانس في الفترة الماضية.

شركة باكسوس وعملة BUSD

إن شركة Paxos المعروفة بإصدار معظم العملات المستقرة الرقمية؛ تقوم أيضاً بسك دولار بينانس BUSD الخاص بالعلامة التجارية التابعة لشركة بينانس . لكن وبحلول شهر فبراير (شباط) من العام 2023 أعلنت Paxos أنها ستتوقف عن إصدار عملات جديدة من BUSD؛ هذا ما اعتبره البعض بداية استهداف بينانس من قبل الولايات المتحدة.

وجاء هذا الإعلان من قبل باكسوس انصياعاً منها لتوجيهات إدارة الخدمات المالية في نيويورك (NYDFS) بعد التهديد باتخاذ إجراء قانوني ضدها من قبل لجنة الأوراق المالية البورصة الأمريكية (SEC). حيث أعلنت الأخيرة أنها تعتزم مقاضاة باكسوس؛ لبيعها عملة BUSD التي تعتبر أوراقاً مالية غير مسجلة بموجب قوانين الأوراق المالية الفيدرالية. بالإضافة إلى ذلك فإن توجيهات استهداف بينانس، و السعي لمقاضاة باكسوس؛ يعود أيضاً لوجود العديد من القضايا العالقة بخصوص العلاقة بينهما.

في الحقيقة حتى الآن لم يتم اتخاذ أي إجراء فعلي تجاه شركة باكسوس منذ استهداف بينانس. ولكن في حال حدث شيء من هذا القبيل، فسيكون له تبعات هائلة على سوق العملات الرقمية -الذي تبلغ قيمته 137 مليار دولار أمريكي- خاصة العملات المشفرة المستقرة مثل USDC وUSDT.

استهداف بينانس

تدعي شركة بينانس دوماً أنها تلتزم وبكل شفافية بالقوانين الناظمة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول. ناهيك عن أنها تقر باستخدام كل أدوات، ووسائل التكنولوجية في سبيل الكشف عن الأنشطة غير المشروعة؛ مثل غسيل الأموال. بالتالي فمن المرجح أن استهداف بينانس قد يكون له غايات أخرى.

وعلى الرغم من ذلك فإن وزارة العدل الأمريكية بدأت تحقيقاً مطولاً في هذا الشأن منذ العام 2018؛ ركزت فيه بشكل أساسي على امتثال بينانس لقوانين وعقوبات غسيل الأموال الأمريكية. إلا أن تأخير ظهور نتائج التحقيقات يرجع إلى انقسام المدعين في وزارة العدل حول القرار النهائي بخصوص الأدلة التي تم جمعها قبل استهداف بينانس، وكادرها من المديرين التنفيذيين على رأسهم تشانغ بينغ زاو رئيس الشركة.

من جهة أخرى فقد برر ناظمي القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية؛ أن استهداف بينانس يأتي في إطار رغبتهم في العمل على إجراء مراجعة شاملة لكل شركات التشفير. كما أن اتخاذ مثل هذا القرار لا تؤثر عليه القرارات السياسية؛ أو جنسية مالك الشركة؛ لا بل على العكس لأن هذه الإجراءات الغرض الأساسي منها هو توفير بيئة آمنة للتعاملات المالية، وتداول العملات المشفرة.

تبعات استهداف بينانس

كانت منصة بينانس ولا تزال تتعرض لمحن منذ بدايتها في العام 2017، حيث أدت الأخبار المسربة عن استهداف بينانس بتحقيق من قبل وزارة العدل الأمريكية في العام 2018؛ لجعل العديد من المستثمرين الكبار يصرحون أنهم ينوون نقل أموالهم إلى المنصات أخرى، أو محافظ باردة.

كما أن الأمور زادت سوءاً عند استهداف بينانس من قبل القراصنة (hackers) في العام 2019؛ حيث تعرضت لسرقة مبلغ كبير من المال. ثم تلا ذلك إعلان العديد من المنصات الإفلاس، وكان آخرها ما حدث مع منصة (FTX) في نهاية العام 2022. هذا كله أدى إلى تراجع الثقة في منصات التداول والاستثمار في العملات الرقمية.

إلا أن ما يعتبره البعض استهداف بينانس على وجه الخصوص من قبل إدارة الخدمات المالية في نيويورك بإعطاءها توجيهات لشركة Paxos بعدم إصدار عملة دولار بينانس BUSD المستقرة -التي يوازي سعرها 1 دولار حقيقي- كان له تأثير كبير على المنصة، ووقعاً سلبياً على سوق العملات الرقمية، فعلى سبيل المثال:

  1. حدثت عمليات سحب لما يقارب 3 مليارات دولار أمريكي خلال الـ 24 ساعة التي تلت إعلان إيقاف إصدار BUSD. هذا ما دفع رئيس الشركة تشاو بينغ زاو إلى التصريح بأن استهداف بينانس الأخير ليس له علاقة بسحب الأموال؛ خاصة وأنه رأى في أيام سابقة عمليات سحب لكميات كبيرة من الأموال. وفي المقابل رأى أيضاً أياماً حدث فيها إيداع مبالغ كبيرة في يوم واحد. كما طمأن المستثمرين بالقول أن جميع أصولهم من عملة BUSD مدعومة بنسب 1: 1، ورأس المال خالٍ من الديون.
  1. أدى استهداف بينانس في السابق لاستحداث موقع خاص بالمتداولين في الولايات المتحدة. أما هذه المرة فقد تضطر المنصة للخروج من السوق الأمريكية تماماً. حيث أن الشركة تدرس إنهاء العلاقات مع شركاء الأعمال الأمريكيين بسبب ازدياد توتر الجهات التنظيمية تجاهها؛ بحسب ما نشره موقع شركة بلومبيرغ بتاريخ ١٧ فبراير (شباط) ٢٠٢٣.
  1. ذكر أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في منصة بينانس أن المنصة قد تضطر لدفع غرامات لتسوية التحقيقات في أعمال المنصة في الولايات المتحدة. كما أضاف قائلاً أن التبرير الوحيد لارتكاب بينانس لبعض الأخطاء إن وجدت؛ هو أن المدراء التنفيذيين لم يكن لديهم دراية كافية بقوانين الفساد، وغسيل الأموال المنصوص عليها ضمن القانون. وهذا ما اعتبره البعض بحد ذاته خرقاً واضحاً للقوانين، وليس ما كما يدعي البعض الآخر أن سبب ما يحدث هو مجرد استهداف بينانس.

Comments (No)

اترك تعليقا